الهندسة الوراثية و مراحل تطور الهندسة الوراثية
الهندسة الوراثية
الهندسة الوراثية أو التعديل الوراثي بالإنجليزية Genetic Engineering هي تقنية تستخدم فيها التكنولوجيا لتغيير التركيب الوراثي للكائنات الحية ويتم ذلك عن طريق عزل الحمض النووي DNA من كائن حي أو أكثر و دمجها وإعادة تركيبها في كائن حي آخر قد يكون حيوانا أو نباتا أو بكتيريا ويعد أي كائن حي يتم إنتاجه بهذه التقنية كائنا معدلا وراثيا وتهدف هذه التقنية لإنتاج كائنات حية تتمتع بصفات مرغوبة كأن تكون أقل عرضة للأمراض أو أكثر قدرة على تحمل ظروف بيئية محددة
مراحل تطور الهندسة الوراثية
تمكن البشر من تعديل جينات الكائنات الحية منذ آلاف السنين دون أن تكون لديهم معرفة بماهية الجين أو الحمض النووي وذلك من خلال الاصطفاء الصناعي أو الانتخاب الانتقائي وتتم هذه العملية عن طريق انتقاء ذكور وإناث الكائنات الحية التي تتمتع بصفات مرغوبة والسماح لها بالتزاوج لإنتاج نسل يحمل هذه الصفات وقد تمكنوا عن طريق الاستخدام المتكرر لهذه الممارسة على مدى أجيال عديدة من إحداث تغييرات جينية واضحة في بعض أنواع الكائنات الحية
في عام 1869م تمكن عالم الكيمياء الحيوية السويسري يوهان فريدريش ميشر Johannes Friedrich Miescher من عزل مادة تحتوي على النيتروجين والفوسفور وأطلق عليها اسم الحمض النووي إلا أنه لم تعرف وظيفة الحمض النووي إلا بعد مرور وقت طويل من ذلك عندما تمكن فريق بحث بقيادة عالم البكتريا أوزوالد أفيري Oswald Avery في عام 1944م من عزل حمض نووي من أحد أنواع البكتيريا وإدخاله في نوع آخر ولاحظ الفريق أن البكتيريا الثانية أخذت بعض الصفات من البكتيريا الأولى وقد أثبتت هذه التجربة إلى جانب تجارب وأبحاث أخرى أن الحمض النووي هو المسؤول عن تحديد خصائص ووظائف الكائنات الحية وفي عام 1953م تمكن العالمان جيمس واتسون james watson وفرانسييس كريك francis crick من إثبات أن جزيء DNA له تركيب حلزوني مزدوج وتمكنوا من فهم آلية تضاعفه ودوره في الانقسام الخلوي والنمو
في عام 1973م تمكن بول بيرغ Paul Berg المعروف بأبي الهندسة الجينية من دمج جزيئات الحمض النووي DNA من الفيروس القردي المعروف ب SV40 مع DNA لفيروس اللمدا إلا أن طريقته كانت معقدة وصعبة وفي العام ذاته تمكن العالمان ستانلي كوهين Stanley Cohen وهربرت بوير Herbert Boyer من اكتشاف إنزيم يمكنه تحسين طريقة بيرغ وقاما معا بأول عملية ناجحة لإنتاج كائن حي معدل وراثيا إذ نجحا بنقل جين يعمل على تشفير المقاومة للمضادات الحيوية من سلالة من البكتيريا إلى أخرى مما منحها القدرة على مقاومة المضادات الحيوية بدورها وبعد عام واحد استخدم العالمان رودولف يانيش Rudolf Jaenisch وبيتريس مينتز Beatrice Mintz إجراء مشابها في الحيوانات حيث تمكنا من إدخال حمض نووي معين الى أجنة الفئران
أثارت تجارب الهندسة الجينية مخاوف وقلق البعض من التداعيات المحتملة على صحة الإنسان والنظم البيئية للأرض لذلك أقيم في عام 1975م مؤتمر أسيلومار لمناقشة المخاطر المحتملة للحمض النووي المعدل وبعد ثلاثة أيام من المناقشات اتفق العلماء المشاركين على استكمال أبحاث الحمض النووي المعاد تركيبه ولكن مع اتخاذ بعض الاحتياطات لضمان أن تكون هذه التجارب آمنة وصاغوا وثيقة تحتوي على لوائح السلامة والاحتواء للتخفيف من مخاطر كل تجربة مع التشديد على أن يكون الباحث الرئيسي في كل مختبر هو المسؤول عن ضمان سلامة الباحثين العاملين معه وأكدت الوثيقة على أهمية تثقيف المجتمع العلمي حول التطورات الهامة التي تم التوصل إليها وكنتيجة لنجاح مؤتمر أسليومار دعمت الهيئات الحكومية في جميع أنحاء العالم هذه الخطوة لمواصلة الأبحاث وهكذا تم إطلاق عصر جديد من التعديلات الجينية الحديثة وفي عام 1980م حصلت شركة جنرال إلكتريك على براءة اختراع بكتيريا معدلة جينيا قادرة على تحطيم بقع النفط الخام للمساعدة في تخفيف آثار التسرب النفطي مما حفز الشركات الكبيرة لتطوير تقنية الهندسة الجينية التي يمكن أن تكون مفيدة ومربحة بسرعة
من خلال التعاون بين العلماء ورجال الأعمال أحدثت الهندسة الجينية ثورة في العديد من المجالات مثل الزراعة إذ تمكن العلماء بحلول عام 1988م من اختبار أكثر من عشرين نوعا من النباتات المعدلة وراثيا لتكون لها خصائص مميزة فتم إنتاج نباتات قادرة على مقاومة درجات حرارة التجمد وأخرى تستغرق وقتا أطول حتى تنضج ونباتات مقاومة للآفات وما إلى ذلك بالإضافة إلى التطبيقات العديدة التي ساهمت بتحسين الصحة وعلاج الأمراض
في عام 1990م أطلقت وزارة الطاقة بالتعاون مع المعاهد الوطنية للصحة NIH مشروع الجينوم البشري الذي يهدف لتحديد مكان كل جين بشري وتحديد هيكله ووظائفه المحددة الأمر الذي يمهد لعلاج الكثير من الاضطرابات والأمراض وقد تمكن العلماء قبل اكتمال المشروع بوقت طويل من تحديد مواقع بعض الجينات مثل الجين المسؤول عن تكاثر فيروس نقص المناعة البشرية HIV المعروف باسم فيروس الإيدز والجين المسؤول عن الاستعداد للسمنة والجينات المرتبطة بالاضطرابات الوراثية مثل مرض هنتنغتون ومرض لو جيريج التصلب الجانبي الضموري وبعض أنواع سرطان القولون والثدي
خطوات إجراء الهندسة الوراثية
تتم الهندسة الوراثية عن طريق الخطوات الآتية
- إيجاد كائن حي يتمتع بالصفة المرغوبة واستخراج الحمض النووي الخاص به
- عزل الجين المسؤول عن الصفة المرغوبة من بين آلاف الجينات المكونة للحمض النووي ونسخه وتعديله إذا اقتضت الحاجة ليكون أكثر ملائمة للكائن الحي المراد تعديله
- إدخال الجينات بعد تعديلها إلى خلايا الكائن الحي المراد تعديله ويمكن أن يتم ذلك بعدة طرق مثل إدخال الجين إلى حامل مناسب مثل البكتيريا ثم حقنها في الكائن الحي المراد تعديل صفاته كما يمكن استخدام المدفع الجيني حيث يتم إكساء جسيمات مجهرية من الذهب بالجينات المعدلة ثم قذفها على خلايا الكائن الحي المستهدف
- السماح للكائن الحي المعدل جينيا بالتكاثر بالطرق التقليدية للحصول على عدد أكبر من الكائنات الحية التي تحمل الصفة المرغوبة